الجمعة 14 أبريل 2006
نظـــــــرة النـــــــــدم
تستوقفني طويلا الرسائل التي تنشرها في بريد الجمعة, خاصة تلك التي تكتبها النساء, ويعبرن فيها عن معاناتهن مع أزواجهن أو تعرضهن للقهر وسوء المعاملة والخيانة. وأتساءل دائما: هل الرجال دائما ظالمون؟ وهل المرأة دائما مجني عليها؟
الحقيقة التي يمكنني تأكيدها أن المرأة كثيرا ما تكون ظالمة وقاسية وربما خائنة, لأن أي رجل خائن يفعل ذلك مع امرأة خائنة, إذن الكفة متساوية, ولا يوجد ما يبرر تحميل الرجل وحده كل الأوزار.
سيدي.. لا أقول لك هذا الكلام من فراغ فقد عشت تجربة قاسية تلقيت فيها طعنات قاتلة, ولولا عدل الله ما استطعت الصمود, أو مواصلة رحلتي في الحياة.
أنا رجل أعمال, عمري الآن47 عاما.. رباني والداي علي طاعة الله والالتزام بأوامره ونواهيه, ومنذ تخرجي في الجامعة, ساعدني والدي في إنشاء شركة صغيرة أبدأ بها حياتي العملية, كما دفعني وشجعني علي إكمال نصف ديني مبكرا, حتي لا أكون عرضة لإغواء الشياطين.. استجبت له, وتقدمت إلي فتاة من أسرة طيبة, تسكن بجوارنا, ومشهود لها بحسن الخلق.
خلال شهور قليلة تم الزفاف, وكم كنت سعيدا باختياري, وبتعبيرها الدائم عن سعادتها لأن الله أكرمها بشاب مثلي.. كانت غير كثير من الفتيات, لا تتمني أن ترتبط بشاب له تجارب, لنستمتع باكتشاف الحياة معا.
لا اخفيك.. عشت سنوات في قمة السعادة, أنجبت خلالها طفلتي الأولي التي زادتنا قربا.. نمت شركتي وزادت ثروتي, وكلما نجحت عملية جديدة, أسارع بشراء هدية ثمينة لشريكة حياتي, كما أودع لها مبلغا في حسابها في البنك.. ولما لا, فهي تشاركني رحلة الكفاح, وتتحمل غيابي طويلا عن المنزل, وتبذل جهودا كبيرة في تربية ابنتي, التي أنعم الله علي بعد ثلاثة أعوام من ميلادها بشقيق يؤنس وحدتها.. وحمدت الله كثيرا علي نعمه, وقررت أن أذهب وزوجتي إلي الحج حتي نتم فروضنا.
إنها الجنة علي الأرض, تلك الحياة التي عشتها, لم يكن يعكر صفوها, سوي إنفاق زوجتي الذي كنت أراه مبالغا فيه, وكان يستوقفني أحيانا مساوماتها للحصول علي مبالغ مالية أكبر من تلك التي كنت أقدمها لها هدية, ليزداد رصيدها في البنك, أو عدم إنفاقها علي نفسها مما أمنحه لها حسب اتفاقنا, فأفاجأ بها تطلب مني أشياء دفعت لها ثمنها, بزعم أنها تحب أن أشتري لها حاجياتها بنفسي.
لم أكن أتوقف كثيرا أمام هذه التصرفات, نعم كانت تستفزني, ولكني رأيتها في إطار دلال الزوجة علي زوجها, وكنت أقول لنفسي, الأموال في حسابي أو حسابها, في النهاية كله للأولاد.
دام الحال10 سنوات, من نجاح إلي نجاح, حتي حدث الإعصار, فللحياة وجه آخر, لا يعرفه السعداء ولا الأشقياء, حتي يأذن الله, فيطل علينا لنأخذ نصيبنا كاملا من الفرح والحزن.. لقد شاءت الأقدار أن ترتبك أعمالي, لبعض التقصير مني, ولكثير من القرارات الاقتصادية المتضاربة والمفاجئة في مصر, وكان من نتيجة ذلك أن خسرت أموالا كثيرة, وأصبت باكتئاب شديد.. حاولت أن أتجاوز عثرتي, ولكن الأزمة كانت أكبر مني. تلفت حولي أتشبث بمن يحنو علي ويدفعني للمقاومة, خاصة بعد وفاة سندي المعنوي والمادي, والدي, فلم أجد!
تسأل بالطبع: وأين زوجتك, حبيبتك, أم ابنيك؟
فجأة يا سيدي, وكما وجدت الحياة تدير لي وجهها, أدارت هي الأخري وجهها.. صمدت قليلا علي أمل أن أنجو من أزمتي, وعندما أيقنت عمق الكارثة, كشفت لي عن وجه ولم أتخيله, ولم أر يوما ملمحا له.. هل هي كانت تحمل كل هذا القبح ولم أره؟.. في البداية, أطلقت في وجهي سهام النقد, أنت السبب, أنت مهمل, قصرت في عملك, أنفقت أموالك علي أهلك وأصدقائك, أين هم الآن.. أنت المسئول عما حدث وعليك أن تجد الحل.
لم تكتف يا سيدي بتلك الكلمات الطعنات, بل بدأت تعبر عن ضيقها وضجرها من عدم مقدرتي علي الإنفاق علي البيت كما اعتادت دائما.. بوجه عابس تصرخ في وجهي بأنها زهقت من هذه الحياة, تفر من البيت إذا وجدت به.. لم تمتد يدها إلي حسابها في البنك لتساعد في مصاريف البيت. وفوجئت أيضا ياسيدي بأنها بدأت تبعد ابني عني, تصطحبهما معها في الخروج, وتقول لي أنت مكتئب والأولاد يريدون التغيير.
في ظل هذه الأجواء, وبحثي الدائم عن منفذ للخروج من الأزمة, لاحت في الأفق فرصة للنجاة, ولكن كنت أحتاج إلي مبلغ من المال يساعدني علي تجاوز المحنة, تلفت حولي فلم أجد غيرها, طلبت منها أن تعطيني بعضا مما لديها في حسابها علي سبيل القرض, علي أن أرده لها بعد نجاح المشروع.. ماذا تتوقع أن يكون رد فعلها؟.. لقد صرخت في وجهي: انسي.. دي فلوسي, وفلوس أولادي, عاوز تضيعها زي ماضيعتني.. تقول عني أنا ضيعتها, ترفض مساعدتي بأموالي.. قلت لها: أنا علي استعداد أن أكتب لك شيكات بالمبلغ.. وكانت هذه الجملة هي النهاية.. نهاية الكذبة التي عشتها مع تلك المرأة.. لقد طلبت الطلاق, قالتها بكل حسم ووضوح: طلقني.. لن أستطيع العيش معك بعد اليوم.. لم أصدق أذني, نظرت بعيني صوب حجرة أبنائي, فلاحقتني بذكاء تحسد عليه: الأولاد هيكونوا معايا.. أنت لن تستطيع الإنفاق عليهم.
سيدي.. لم أنطق بكلمة.. انسحبت من أمامها بهدوء, متجها إلي حجرتي, جمعت ما استطعت جمعه من أشيائي, وضعته في حقيبتي, ثم ذهبت إلي حجرة أطفالي, قبلتهما وهما نائمان, وقبل أن أغادر الشقة, نظرت اليها لعلي أجد في عينيها شيئا واحدا يبعدني عن القرار الذي اتخذته, الندم, كنت أتمني أن أجد بقايا من تلك المرأة التي أحببتها يوما, وكانت تذوب في عشقا وأنا أمنحها نقودي, ولكني وجدت عينين متحجرتين, مصمتتين, قاسيتين.. قلتها, كلمة واحدة: أنت طالق.
هل تصدقني سيدتي.. علي الرغم من كل الألم الذي كان بداخلي, كل الغضب, كل الندم, إلا أنني أحسست براحة غريبة, وكأن هما ثقيلا انزاح من علي صدري.. وطاقة من الضوء والأمل تشع في روحي.. تؤكد لي أن الله سيعوضني عما عانيت.. إنها الثقة في عدله سبحانه وتعالي, رفعت وجهي إلي السماء وقلت: فوضت أمري إليك ياربي, راضيا بما قسمته لي.
توجهت إلي أمي, ألقيت بنفسي في صدرها, بكيت كما لم أبك من قبل, قصصت عليها كل ما حدث, فلم أكن قد حكيت لها من قبل خشية أن تتألم من أجلي.. وبدلا من أن تنهار معي, فوجئت بأمي تنهرني: أنت رجل, الرجال لا يبكون.. لقد نجحت بعقلك وذراعيك, ومن ينجح أولا يمكنه النجاح متي شاء.. وتركتني وذهبت إلي حجرتها, لتعود إلي ومعها بضعة آلاف من الجنيهات وكل ما لديها من ذهب, ومدت يدها إلي وبابتسامة رائعة احتوت كل أحزاني قالت لي: اثبت لي أنك ابني, ارفع رأسك ورأسي.. إن انتقامك من تلك المرأة هو أن تنجح.
سقطت كلماتها علي كالبركان, فجرت في داخلي كل ينابيع التحدي..
بقيت ليلي أدرس ما حدث وكيف وقعت الخسارة.. وضعت خططي للمشروع الجديد, وفي الصباح أطلقت روحي وجسدي لطريق النجاح.
عام واحد, عام من السهر والكفاح والتحدي, أعادني مرة أخري إلي الحياة, انتعش مشروعي, وافتتحت فرعا جديدا لشركتي في الاسكندرية, فأحسست أن الله راض عني, فكنت أعود إلي أمي كل مساء لأقبل يديها, تلك اليدان اللتان انتشلتاني من اليأس والفشل, وأعادتاني مرة أخري للحياة.
تسألني وماذا عنها وعن ابني وابنتي؟
عندما عرفت مطلقتي ما حدث لي من نجاح, بدأت في إرسال رسائل مع طفلي برغبتها في العودة من أجلهما. كنت أضحك بداخلي وأراها تتفنن لإغوائي بالعودة, وعندما أيقنت أنني لن أفعل.. قررت أن ترسل لي الطفلين لأنها لم تعد قادرة علي تربيتهما وحدها, خاصة مع تقدمهما في العمر وازدياد مصاريفهما, فرحبت علي الفور, وأتيت لهما بخادمة لتعين أمي في تربيتهما.
ولم تمر شهور حتي فوجئت بها تتزوج من رجل أعمال نصاب في شقتي التي اشتريتها وأثثتها من مالي وكتبتها باسمها.
واتخذت قراري بعدم متابعة أخبارها أو الاهتمام بما يحدث لها.. ومنذ عامين التقيت بفتاة أعجبتني وتأكدت من طيب أخلاقها, ووجدت منها ترحيبا بمشاركتي الحياة مع طفلي, فتزوجتها.. ونعيش الآن حياة سعيدة, خاصة بعد أن أكرمنا الله بشقيق ثالث لطفلي, ووجدت منها حسن المعاملة وعدم التفرقة بين أبنائي, فاطمأن قلبي, وإن كنت لا أخفيك أني اصبحت أكثر حرصا, فلم أقع في الأخطاء التي ارتكبتها في زيجتي الأولي, أكرمها وأغدق عليها بالهدايا وأوفر لها من تقوم بأعباء المنزل, ولكني توقفت عن سفهي السابق.
فلا يلدغ مؤمن من جحر مرتين, ومن يدريني ألا تتحول تلك المرأة هي الأخري, تكفي جرعة واحدة من الكأس المرة, فالمرارة مازالت في حلقي برغم كل هذه السنوات, وعلي الرغم من انتقام الله من زوجتي السابقة, وحسن زوجتي الحالية وطيب روحها وخلقها, إلا أن غضبا ما تجاه المرأة كامن في نفسي.
سيدي.. إن إحساس الشماتة بداخلي يؤلمني, ولكنه رغما عني, لقد انتقم لي زوج مطلقتي, فاستولي علي كل ما أخذته مني, حتي الشقة نجح في الاستيلاء عليها, وطلقها لتعود كسيرة مهزومة إلي بيت أسرتها.
يؤلمني تألم طفلي عندما يذهبان إليها, ولكن ما أذاقته لي من إهانة وذل وتخل يسرق أي احساس انساني تجاهها. وأري في انتقام الله وعدله درسا لكل امرأة تغرها الدنيا, أو تستغني بما لديها من مال عن رجلها أبو أولادها من تغره الدنيا بوجهها الباسم, عليه أن يتحسب لها عندما تنظر إليه بوجهها الآخر.
الــــــرد
* سيدي.. الخطأ والظلم والخيانة وغيرها مما يرتكبه الانسان ليست حكرا علي الرجل والمرأة, ولكنها صفات وتصرفات لها علاقة بالنفس البشرية, قد تكون رسائل النساء أكثر, لأنهن الجانب الأضعف والأكثر تعرضا للظلم في مجتمعاتنا, ليس بسبب سلوك الرجل فقط, ولكن بسبب مفاهيم عديدة مغلوطة تربينا عليها, حتي أصبحت وكأنها حقائق, كما أن الرجل ـ في مجتمعاتنا ـ لم يعتد الشكوي, إيمانا بأنه الأقدر علي التحمل والمواجهة, أما المرأة فليس أمامها إلا الحكي لمواجهة أحزانها وآلامها.
وبالنسبة لقصتك المؤلمة, فقد أتفهم صدمتك في شريكة حياتك التي منحتها كل شيء, فانقلبت عليك, في وقت كان عليها أن تكون بجوارك, جزءا منك. حتي تجتاز محنتك القاسية, ولكنها لأسباب لم أتبينها في رسالتك, قد تكون في تربيتها أو سلوكها الشخصي أو لأخطاء منك, لم تر الوجه الآخر للحياة, وظنت أن السعادة ستظل طوعا لها, وأن عليها جني الثمر بدون وخز الشوك, فاستمرأت ما قدمته لها, واعتقدت أنها ستواصل رحلة الأخذ مع رجل آخر, حتي تجرعت نفس الكأس التي أذاقتها لك.
وإذا كان الشاعر فولتير قال يوما: بعض الزوجات داء وبعضهن دواء, فإن رسولنا الكريم وهو يوصينا بالنساء خيرا, قال لنا أيضا: من سعادة ابن آدم ثلاثة, ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة, من سعادة ابن آدم:المرأة الصالحة, والمسكن الصالح, والمركب الصالح. ومن شقاوة ابن آدم: المرأة السوء, والمسكن السوء, والمركب السوء.
كانت زوجتك هي المرأة السوء, ولكن هذا لا يعني أن نصف كل النساء بالسوء, فالتي أنقذتك هي امرأة حتي لو كانت أمك, وما فعلته معك تفعله نساء كثيرات مع أزواجهن وأبنائهن.. فيجب ألا نعمي أبصارنا عن الحقيقة, إذا صادفتنا أزمة, فالأزمات هي التي تكشف جوهر الانسان وتصقله, وليس معني ما فعلته مطلقتك معك, أن تفعل زوجتك الجديدة نفس الشيء, وكل ما أخشاه أن يظل شبح تجربتك الفاشلة يطاردك, فيسرق استقرارك وهناءك.
سيدي.. لا تنظر خلفك, ولا تدع نار الكره والانتقام تحرق ما بداخلك من خير ومحبة. لقد كان الله معك كريما عندما جعلك تري بنفسك انتقامه من أم ولديك, ليذكرك ويذكرنا بأنه العادل المنتقم الجبار.. ألا يرضيك هذا؟
أنت تعرف الآن أنها تعيش أيام الندم والحزن, في وقت كنت تبحث في عينيها عن نظرة واحدة للندم. فلا تبتغ غير وجه الله في كل ما تفعله وستجده سبحانه وتعالي عند حسن ظنك به, فللخير ثمرات مهما تأخر نضوجها, وللشر أشواك مهما تأخر وخزها. وإلي لقاء بإذن الله.
__________________
عندما تشعر بالغربة
أستقل أول قطار
وارحل00000
وعندما يصفعك الهزيل
لا تحاوره
لكن ارحل0000
حدوتة is offline الرد مع إقتباس